سورة التحريم - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التحريم)


        


{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)}
ضرب الله تعالى هذا المثل تنبيها على أنه لا يغني أحد في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرق بينهما الدين. وكان اسم امرأة نوح والهة، واسم امرأة لوط والعة، قاله مقاتل.
وقال الضحاك عن عائشة رضي الله عنها: إن جبريل نزل على النبي صلي الله عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط والهة. {فَخانَتاهُما} قال عكرمة والضحاك: بالكفر.
وقال سليمان بن رقية عن ابن عباس: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه. وعنه: ما بغت امرأة نبي قط. وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القشيري. إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين.
وقيل: كانتا منافقتين.
وقيل: خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما شيئا أفشتاه إلى المشركين، قاله الضحاك.
وقيل: كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف، لما كانوا عليه من إتيان الرجال. {فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما- لما عصتا- شيئا من عذاب الله، تنبيها بذلك على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة. ويقال: إن كفار مكة استهزءوا وقالوا: إن محمدا صلي الله عليه وسلم يشفع لنا، فبين الله تعالى أن شفاعته لا تنفع كفار مكة وإن كانوا أقرباء، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته وشفاعة لوط لامرأته، مع قربهما لهما لكفرهما. وقيل لهما: ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ في الآخرة، كما يقال لكفار مكة وغيرهم. ثم قيل: يجوز أن تكون امْرَأَتَ نُوحٍ بدلا من قوله: مَثَلًا على تقدير حذف المضاف، أي ضرب الله مثلا مثل امرأة نوح. ويجوز أن يكونا مفعولين.


{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)}
قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} واسمها آسية بنت مزاحم. قال يحيى بن سلام: قوله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم ضرب لهما مثلا بامرأة فرعون ومريم بنة عمران، ترغيبا في التمسك بالطاعة والثبات على الدين.
وقيل: هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة، أي لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون. وكانت آسية آمنت بموسى.
وقيل: هي عمة موسى آمنت به. قال أبو العالية: اطلع فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملا فقال لهم: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها. فقال لهم: إنها تعبد ربا غيري. فقالوا له: أقتلها. فأوتد لها أوتادا وشديديها ورجليها فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} ووافق ذلك حضور فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة. فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها! إنا نعذبها وهي تضحك، فقبض روحها.
وقال سلمان الفارسي فيما روى عنه عثمان النهدي: كانت تعذب بالشمس، فإذا أذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها.
وقيل: سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى، فأطلعها الله. حتى رأت مكانها في الجنة.
وقيل: لما قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ أريت بيتها في الجنة يبنى.
وقيل: إنه من درة، عن الحسن. ولما قالت: {وَنَجِّنِي} نجاها الله أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة، فهي تأكل وتشرب وتتنعم. ومعنى {من فرعون وعمله} تعني بالعمل الكفر.
وقيل: من عمله من عذابه وظلمه وشماتته.
وقال ابن عباس: الجماع. {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
قال الكلبي: أهل مصر. مقاتل: القبط. قال الحسن وابن كيسان: نجاها الله أكرم نجاة، ورفعها إلى الجنة، فهي فيها تأكل وتشرب.


{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12)}
قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ} أي واذكر مريم.
وقيل: هو معطوف على امرأة فرعون. والمعنى: وضرب الله مثلا لمريم بنة عمران وصبرها على أذى اليهود. {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها} أي عن الفواحش.
وقال المفسرون: إنه أراد بالفرج هنا الجيب لأنه قال: فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وجبريل عليه السلام إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها. وهي في قراءة أبي فنفخنا في جيبها من روحنا. وكل خرق في الثوب يسمى جيبا، ومنه قوله تعالى: {وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ} [ق: 6]. ويحتمل أن تكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها. ومعنى فَنَفَخْنا أرسلنا جبريل فنفخ في جيبها مِنْ رُوحِنا أي روحا من أرواحنا وهي روح عيسى. وقد مضى في آخر سورة النساء بيانه مستوفى والحمد لله. {وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها} قراءة العامة {وصدقت} بالتشديد. وقرأ حميد والأموي {وصدقت} بالتخفيف. بِكَلِماتِ رَبِّها قول جبريل لها: {إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} [مريم: 19] الآية.
وقال مقاتل: يعني بالكلمات عيسى وأنه نبي وعيسى كلمة الله. وقد تقدم. وقرأ الحسن وأبو العالية بكلمة ربها وكتابه وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم {وكتبه} جمعا. وعن أبي رجاء {وكتبه} مخفف التاء. والباقون {بكتابه} على التوحيد. والكتاب يراد به الجنس، فيكون في معنى كل كتاب أنزل الله تعالى. {وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ} أي من المطيعين.
وقيل: من المصلين بين المغرب والعشاء. وإنما لم يقل من القانتات، لأنه أراد وكانت من القوم القانتين. ويجوز أن يرجع هذا إلى أهل بيتها، فإنهم كانوا مطيعين لله. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها: «أتكرهين ما قد نزل بك ولقد جعل الله في الكره خيرا فإذا قدمت على ضراتك فأقرئيهن مني السلام مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكليمة- أو قال حكيمة- بنت عمران أخت موسى بن عمران فقالت: بالرفاء والبنين يا رسول الله».
وروى قتادة عن أنس عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «حسبك من نساء العالمين أربع مريم بنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون بنت مزاحم». وقد مضى في آل عمران الكلام في هذا مستوفى والحمد لله.

1 | 2 | 3 | 4